Overblog
Edit post Follow this blog Administration + Create my blog

عاشت الماركسية اللينينية الماوية (رئيسيًا الماوية)

المدونة الماوية ★ الديمقراطية الشعبية

البنيوية و الماركسية الزائفة و تقاطعاتها

 

شهدت فرنسا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ظهور عدة مناهج رئيسية في الفلسفة التجريبية تتوافق مع الروح الجمهورية البرجوازية الوليدة.

 

وهذا ما أكد تمامًا على حاجة البرجوازية إلى الارتباط بالواقع  بالتجربة ، ولكن في نفس الوقت تكون الذاتية هي السائدة ورفض قراءة الواقع بصورته الكلية. 

 نشأت البنيوية في نهاية القرن التاسع عشر. لقد كانت حينها فترة انتقالية كاملة ، إيذانا بعبور البرجوازية بالفعل عن دورها الثوري المناهض للإقطاع ، ولكنها لم تتبلور بعد كطبقة مهيمنة طورت هويتها الخاصة ، وأيديولوجيتها الخاصة ، والتي تمت تنقيتها إلى أقصى حد من عناصر المراحل السابقة .

 

وهذا يؤكد جانبًا مهمًا: وظيفة الطبقات الفكرية في نضوج وتأسيس الأدوات الأيديولوجية.

 

لذلك لن نستغرب أنه مع إعادة إطلاق الرأسمالية في دورة جديدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 وإنشاء طبقة جديدة من المثقفين على أساس الجامعات والأكاديميا البرجوازية التي توسعت بشكل غير مسبوق ، لدينا روح قوية لمقاربات التحديث ، والتي كان من الواضح أنها كانت تتكيف مع الظروف الجديدة.

 

هنا ظهرت البنيوية.



 

تعتبر البنيوية حركة فكرية مهمة في الستينيات ، حاول منظروها إنكار التاريخ باعتباره منظمًا ومنفصلاً ، زاعمين أن هناك هياكل وبنى  في كل مرحلة تاريخية ، للماضي هياكله وبناه و للحاضر هياكله و بناه و للمستقبل هياكله وبناه.

 

لذلك سيكون العالم لغزًا من الهياكل والبنى المختلفة؛ كل شيء سيتألف من بناء ، يمكن فهمه بشكل مستقل ، بحكم مادته المستقلة جذريًا. وبالتالي فإن المتخصصين في مسألة معينة هم وحدهم الشرعيون ، وفقط في مجالهم: العالم مقسم إلى عناصر معزولة تمامًا عن بعضها .

 

وهكذا تنكر البنيوية مبدأ التاريخ ذاته. هذا يتلخص في شكل ومسار البنى و الهياكل.

  

 

وبالتالي ، فإن البنيوية هي قبل كل شيء وظيفية. إنها أداة فكرية ذات نطاق عملي ، بمعنى إدارة جزء من الواقع. مادية زائفة ومبتذلة بطبيعتها.

 

كما رأينا تقوم البنيوية على إيجاد المجالات ، مجالات فكرية وتهدف إلى إيجاد "هياكل" تمثل سمة بارزة و خاصة للظاهرة.

 

مثل هذه الهياكل و البنى تنطوي على خصائص و تفاصيل دقيقة ومعقدة تستدعي التحليل و الفهم ، لذا سيكون دور العالم و المختص  مراقبة مثل هذه البنى و الهياكل ، التي من الواضح أن البشر العاديين لا يستطيعون في نظر الأكاديميين فهمها وتقييمها ، ووضعها في سياقها ، مما يعطي للمثقفين طابعًا أحاديًا مركزيًا.

 

هذان جانبان أساسيان لما يسمى بالطريقة البنيوية  ، في طروحاتها ، لا تتوقف أبدًا عن التأكيد على الطابع الغامض و المعقد للظاهرة او البنية ، واستحالة وجود شخص بسيط ، خارج دائرة الجامعة أو الأكاديميا ، حتى ان يتخيلها ، ناهيك عن تصورها وفهمها وفك طلاسمها ، إلخ.

 

إذن ، البنيوية معادية للديالكتيك ، هي ناقل لخطاب الإختصاص و أسبقية أصحاب الإختصاص : المثقف ، والصحفي ، والفيلسوف ، وعالم الاجتماع ، إلخ. إنها عبادة المتخصص الذي يفك طلاسم الظواهر اد يتعذر على غير المختصين فعل ذلك ، وهذا بحد ذاته إمتياز برجوازي. هذا هو جانبها الوظيفي. 

 

فرديناند دي سوسور و أسس البنيوية :

 

يعتمد مصطلح الهيكل او البنية كما تستخدمه البنيوية على مفهوم صاغه السويسري فرديناند دي سوسور في دورة  في اللسانيات العامة ،  في عام 1916 ، نُشرت من ملاحظات طلابه.

 

طور فرديناند دي سوسور (1857-1913) نهجًا استخدم على نطاق واسع في فرنسا في الفلسفة بعد ذلك، هناك الواقع المادي ، والذي سيكون المرجع. لكن الكلمة التي تشير إليه وتعبر عنه ستكون موجودة بشكل مستقل عنه ، كدال ، أي صوت له صدى في العقل، يتحدث فرديناند دي سوسور عن صورة صوتية.

 

وسيكون هناك المدلول ، أي النشاط العقلي كرد فعل على هذا الصوت واستدعاء المفهوم. على سبيل المثال ، فإن "الشجرة" الدالّة هي صوت يستدعي مفهوم الشجرة في العقل ، وتشكل رمزًا ، أو مثلا في أيامنا هذه يمكن الإستدلال على نوع هاتف معين من خلال صوت رنين هذا الهاتف. 

 

ثم يتبع الاستنتاج المعادي للمادية: نظرًا لوجود لغات مختلفة ، فمن الضروري بالضرورة أن تكون الدلالات عشوائية. لذلك سيكون هناك بطريقة ما وجود مستقل للغة. تبدأ كل البنيوية من هذه القراءة للغة التي تتناقض مع الأطروحة المادية الديالكتيكية للغة كبنية تحتية و ليست من عناصر البنية الفوقية كما يتبدى في التصورات البرجوازية الصغيرة.

 

في الواقع تستند البنيوية بالكامل في أسسها على رؤية معينة للغة . أكد جميع البنيويين على هذا البعد ، مشيرين إلى البنيوية اللغوية كأساس للنهج االبنيوي الذي يفصل بشكل تجريدي بين الظاهرة و الواقع المادي ككل وهذا هو الأساس الخاطئ للبنيوية، و الذي يضعها كنقيض للمادية الديالكتيكية.

 

يقول فرديناند دي سوسور ، الذي يؤسس بالتالي مبدأ النظام والتبادلات التي ستتناولها البنيوية على وجه التحديد:

 

"اللغة ، التي تختلف عن الكلام ، شيء يمكن دراسته بشكل منفصل. لم نعد نتحدث اللغات الميتة ، لكن يمكننا استيعاب كائنها اللغوي جيدًا.

 

لا يمكن لعلم اللغة الاستغناء عن العناصر الأخرى للغة فحسب ، بل يكون ممكنًا فقط إذا لم يتم خلط هذه العناصر الأخرى معها.

 

في حين أن اللغة غير متجانسة ، فإن اللغة المحددة على هذا النحو هي ذات طبيعة متجانسة: إنها نظام من العلامات حيث لا يوجد شيء أساسي سوى اتحاد المعنى والصورة الصوتية (...).

 

اللغة هي نظام من الإشارات التي تعبر عن الأفكار ، وبالتالي يمكن مقارنتها بالكتابة ، بأبجدية الصم والبكم ، والطقوس الرمزية ، وأشكال الأدب ، والإشارات العسكرية ، وما إلى ذلك ، إلخ. إنها فقط أهم هذه الأنظمة ". 

 

هذه الفكرة عن اللغة كهيكل وبنية مستقلة سيتم تناولها مباشرة من قبل البنيويين ، لتطبيقها على مجالات أخرى. مثلما يتم تحديد اللغة من خلال العلاقات بين عناصر معينة ، ستكون هناك بنى و هياكل تتشكل بالمثل من العلاقات البينية.

 

إنها رؤية للعالم تؤمن بنوع من الواقع يتكون من عدة عناصر ، مستقلة إلى حد ما ، مرتبطة بشكل أو بآخر ، لكل منها شكلها الخاص ، وقاعدتها الخاصة ، وطبيعتها الخاصة ، إلخ.

 

يلخص هذا المنطق جان بياجيه ، أحد رموز البنيوية بالقول:

 

"يفترض الهيكل أولاً وقبل كل شيء فكرة الكلية ، أي مجموعة من العناصر التي تشكل القوانين كنظام وقوانين مختلفة عن خصائص العناصر نفسها". 


 

لا توجد كلية ، بل مجاميع صغيرة ، تشكل مشهدًا وصورة للواقع المستقل للظاهرة المعنية.

  

الماركسيون الزائفون و البنيوية

 

الماركسية هي الأخرى كانت "مجالاً" للحركة البنيوية ، فعرفت الماركسية تيارات من المثقفين البرجوازيين الذين دمجوا البنيوية بالماركسية و أنتجوا ماركسية جديدة  ، ماركسية نخبوية منفصلة  تمامًا عن الجماهير الشعبية و نشاطها الواعي في الإنخراط بالحركات الثورية الثلاث التي حددها القائد ماو تسي تونغ : الصراع الطبقي ، الإنتاج ، التجارب العلمية.

هذه الماركسية الزائفة بخلاف انها نخبوية و أكاديمية هي أيضًا تنكر التاريخ و تفصل تجريديًا بين الظاهرة و بعدها التاريخي .

عربيًا لدينا الفرنسي المصري سمير أمين الذي تعاطى مع الإمبريالية الأميركية كبنية لا كظاهرة ومرحلة تاريخية، فالمعروف أن المفهوم الماركسي للإمبريالية أنها مرحلة تاريخية ، مرحلة تعفن و إحتضار الرأسمالية ، لكن سمير أمين البنيوي و الماركسي الزائف تعاطى مع الإمبريالية كبنية معاصرة و كان من دعاة تشكيل بنية مضادة وحلف يبدأ من باريس و برلين مروراً بموسكو و إنتهاءاً ببكين و دلهي شرقًا.و لدينا هنا أيضًا الحديث عن العلاقة بين المركز و الأطراف و الشمال و الجنوب ، و ما يسمى بالعالم الثالث و العالمية الثالثة ، أي التعاطي مع الصراع في العالم عبر التحليلات البنيوية ، فضلاً  عن التحليلات الجيو إستراتيجية و الجغرافيا السياسية ،الخ

ومن نافلة القول أن هذه الرؤى البنيوية الماركسية الزائفة أنتجت لنا العديد من المتمركسين الذين أشبعناهم حديثًا في أطروحات هذه المدونة لا سيما أطروحة "يسار جوليا بطرس"  .

فبفصل التحليلات البنيوية بنزعتها العالمية الثالثة  أضحى التزلف لأكثر القوى رجعية و عمالة امراً يمكن تسويغه و حتى إلباسه لبوس الماركسية، و عربيًا آيضًا لدينا مهدي عامل تلميذ لويس التوسير البنيوي الفرنسي الشهير ، مهدي عامل الذي تحدث عن العلاقة بين المركز الأطراف بنفس الطريقة البنيوية  التي تنكر التاريخ و البعد التاريخي عبر أطروحته المعروفة (نمط الإنتاج الكولنيالي) ، و بدت الروح البنيوية واضحة على أطروحات مهدي عامل، إذ انه لم يتعلطى بمنطق التاريخ و التطور التاريخي فكان من الذين يرون بأن الإشتراكية يمكن بلوغها بسيرورة واحدة وضربة واحدة عبر إنجاز التحرر الوطني ، وهنا تتبدى الروح الذاتية البرجوازية الصغيرة و "الإرادوية" ، هذا   يجافي المنطق الماركسي ، فالثورة الإشتراكية نتاج تاريخي لسيرورة مادية طويلة من تطور القوى المنتجة ولا يمكن أن تأتي بضربة واحدة في بلد لم تتبلور فيه الشروط التاريخية للإشتراكية.

و لدينا من البنيويين الماركسيين الزائفين 

نيكوس بولانتزاس في اليونان، و الذي كان يفترض بأن نمط الإنتاج هو بنية و مجموعة من الهياكل و المستويات ، كان مفهومه لنمط الإنتاج بعيد عن مفهوم المادية الديالكتيكية لنمط الإنتاج على أنه إعادة إنتاج للواقع .

 

البنيوية و تقاطعاتها : 

 

و بعيداًا عن ما يسمى بـ ما بعد البنيوية، يرى كثيرون ان البنيوية تتقاطع مع مدرسة ما بعد الحداثة، و الجانب الرئيسي دائمًا هو التفكيك ، إذ تفكك البنيوية ظاهرةو تفصلها عن بعدها التاريخي، و بالتالي يقع تحويل الظاهرة الى موضوع بذاته ؛  الإقتصادوية ،  الجيو إستراتيجيا ، علم النفس، علم الإجتماع، علم اللغة،أو مثلاً الحركات البرجوازية من قبيل الحركات النسوية التي تفكك قضية المرأة و تفصلها عن واقعها الإجتماعي و التاريخي بالتعاطي معها كقضية جندرية و بالتالي قضية المرأة أو "النسوية" تحولت في الفكر البرجوازي الى أيدولوجيا و موضوع قائم بذاته و منفصل عن الواقع الإجتماعي  ، أو النباتية التي تحولت في الفكر اابرجوازي أيضًا الى أيدولوجيا بخلاف ما هو مفترض أنها من صميم الرؤية المادية الديالكتيكية للعالم ، و حتى ما يسمى بالمثلية و حقوق المثليين فنحن و من منظور المادية الديالكتيكية و المةدية التاريخية لا نفصل بين هذه الظاهرة و البعد التاريخي ، فهي نتاج تاريخي ، نتاج إنحطاط و تعفن الرأسمالية و تناقضاتها و لبست موضوعًا بذاته و أيدولوجيا . 

ولدينا أيضًا القبول او الرفض الإستهلاكي للدين و  تحويله الى موضوع بذاته و إخراجه عن سياقه التاريخي، و هنا يجدر بنا أن نمايز بين القبول أو الرفض الإستهلاكي للدين و بين القبول أو الرفض الفلسفي للدين، فنحن كماركسيين نرفض الدين رفضًا فلسفيًا بوصفه شكل للفكر و الوعي ما قبل الرأسمالي   و هنا نحن كشيوعيين نرفض مفردة "ملحد" التي تنطوي على النزوع البرجوازية في تحويل الدين الى موضوع بذاته ، اىماركسي مادي وليس ملحدا و ثمة فرق جوهري كبير بين المفردتين رغم تشابه المدلول. 

 

فالبنيوية هكذا تتقاطع مع فكر ما بعد الحداثة فهي إنقطاعية وتفكيكية بطبيعتها. 

و للبنيوية تقاطعاتها العديدة حتى خارج الدوائر الأكاديمية ، فمثلاً لو نظرنا الى ما يسمى حركات المقاومة الإسلامية التي و في سياق دورها التاريخي المناط بها و الذي نعرفه جيدا حولت العمل المقاوم الى "بنية" ، أي حولته من طابعه الجماهيري الشعبي الى طابعه العسكري الإحترافي و البيروقراطي ، وما لدينا هنا ليست عبادة الإختصاصي فحسب بل وحتى عبادة التقنيات و الأسلحة بوصفها العامل الحاسم في الحرب و ليست الجماهير الشعبية المعبأة و المنظمة والمسلحة، وهذا ما حول تلك التنظيمات الى ما يشبه الجيوش النظامية البرجوازية قائمة على أساس الردع لا على أساس الحرب الشعبية طويلة الأمد ، الإسلاميون لا يؤمنون بالجماهير كصانعة للتاريخ فهذا يساوي الكفر و الإلحاد عندهم و هنا تجد هذه الإستعارات البنيوية إتساقها ، فاليوم في الحركات الإسلاموية يتحدثون عن تشكيلات نخبوية هلى نحو يحاكي الجيوش النظامية، النخبوية تعني العسكرة ، و العسكرة تعني الإختصاص و الإحتراف اي التعالي عن الإرادة الشعبية في الحرب الشعبية  وكبح جماحها  وتكبيل طاقاتها ومصادرة دورها التاريخي و بالتالي إفراغ العمل المقاوم من معناه و محتواه لحساب ما يسمى بالردع، هذا هو الدورالمناط بالإسلاميين, فيبدو المشهد طافخًا بالكوميديا الرديئة عند رؤية هذا الطرف الإسلاموي أو ذاك ينظم عرضًا عسكرياً أو "مناورة"، و يخرج علينا خبراء التحليل الجيواستراتيجي ليخبرونا عن مدلولات و مكنونات هذا  العرض أو المناورة  ، أو مثلا حين يتحدث هؤولاء الخبراء عن الأسباب الجيوسياسية للحرب الإمبريالية التي تدور رحاها في أوكرانيا ، هؤولاء الخبراء يذكرون كل شيء الا الحقيقة، فحتى الحرب الإمبريالية مثل كل حرب إمبريالية. هي نتاج تاريخي ، نتاج أزمة الرأسمالية و الرغبة  الجامحة في إعادة تقسيم العالم، و  ليست لمجرد دواعي جيوسياسية ، المتحذلقون خبراء الجيو استراتيجيا أصحاب التحليلات البنيوية يغالطون أنفسهم حين يتحدثون عن "عالم متعدد الأقطاب"، فيقرون ضمنيًا بالطبيعة الإمبريالية للحرب. 

 

 




 

 





 

Share this post
Repost0
To be informed of the latest articles, subscribe:
Comment on this post